الوجه الآخر للست.. حكايات ومعارك سياسية وفنية في حياة أم كلثوم
عظمة على عظمة يا ست
من سنين كتير، كان فيه بنت صغيرة مليانة طموح وأحلام أكبر من سنها، وبتمتلك حنجرة قوية. البنت سافرت للقاهرة مع والدها سنة 1922 وهي شايلة معاها حلم إنها تغني وتوصل صوتها لكل الناس. وبالفعل كوّنت أول تخت موسيقي ليها سنة 1926، ومن هنا بدأت الحكاية.
سنة ورا سنة، كان نجاحها بيزيد، لحد سنة 1928، اللي كانت نقطة تحول كبير في حياتها، لأنها اتعرفت على الشاعر أحمد رامي والملحن محمد القصبجي، وقدمت مونولوج "إن كنت أسامح وأنسى الأسية" واللي حقق شهرة كبيرة. علشان بعدها تشارك بصوتها فى فيلم "أولاد الذوات"، وبعدين تنضم للإذاعة المصرية عند إنشائها سنة 1934، وتبقى أول مطربة تدخل الإذاعة.
البنت دي كبرت، وبقت رمز مش بس للفن، لكن للتاريخ والثقافة. بقت "الست" أم كلثوم، اللي قدرت بصوتها توصل لكل العالم وكل الجنسيات وكل الأعمار، قدرت تسيب علامة وبصمة في كل بيت، وكل شخص مننا عنده ذكرى مع "الست".
وعلى الرغم من الاختلاف في تاريخ ميلادها، بس لأنها تستاهل الاحتفاء.. امبارح في 31 ديسمبر التاريخ المتفق عليه أكتر، حبينا مانفتكرش نجاحاتها وإنجازاتها بس، لكن كمان المعارك والتحديات اللي واجهتها، سواء كانت سياسية أو فنية. في الموضوع ده هنفتكر معاكم أبرز الحكايات والمعارك السياسية والفنية في حياة "الست" أم كلثوم.
ميلاد "الست" الحقيقي
سنة 1932، كان ميعاد حفل افتتاح مؤتمر الموسيقى العربية الأول، وفي الوقت ده، مكانتش لسه أم كلثوم وصلت لذروتها ومجدها. الملك فؤاد كان حاضر الافتتاح، و"أم كلثوم" كانت من ضمن المشاركين في الحفلة، وبذكائها استغلت حضور الملك، وغنت "حفظ الهوى" لأن اسمه بيتقال ضمن القصيدة، اللي بتقول: "أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا .. ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا".بعد ما خلصت "أم كلثوم" غُنا، لاحظت إعجاب الملك الشديد بالقصيدة، ومن اللحظة دي، وبدأت علاقة وِد ما بين "الست" والعائلة المالكة. تقدر تقول إن من السنة دي واليوم ده تحديدًا، كان ميلاد "أم كلثوم" الحقيقي.
ليلة "الفاروقيات"
بعد وفاة الملك فؤاد، تولى ابنه الملك فاروق الحكم. وفي يوم 11 فبراير سنة 1937، "قصر عابدين" كان على ميعاد للاحتفال بعيد ميلاد الملك فاروق. الحفلة كان فيها عدد من الفقرات الشعرية والموسيقية لأبرز الفنانين في الوقت ده، زي محمد عبد القدوس والموسيقار زكريا أحمد، ووصلات غنائية كانت من نصيب "الست"، اللي غنت في الليلة دي 14 أغنية، وكل الأغاني اسم الملك ماكنش بيخلى منهم، لحد ما الصحف أطلقوا على الليلة دي "ليلة الفاروقيات".
"وسام الكمال": السبب في غضب أميرات العائلة المالكة
في عيد الفطر سنة 1944، النادي الأهلي عمل حفلة بمناسبة العيد واللي كانت بتحييها "أم كلثوم". ووقت ما غنت "الست" أغنية "يا ليلة العيد" دخل الملك فاروق الحفلة، فاتجهت "أم كلثوم" للترابيزة اللي كان قاعد عليها الملك، وقررت تستغنى عن بعض أبيات الأغنية، بأبيات تانية علشان تمدح "فاروق".
بعد الحفلة، الملك حس بسعادة شديدة من الفِعل اللي عملته "أم كلثوم"، وقرر يديها "وسام الكمال" علشان تكون صاحبة العصمة، والوسام ده مقتصر بس على الأميرات وملكات العيلة الحاكمة. ومن بعدها، أميرات العيلة المالكة حسوا بغضب وغيرة تجاه "أم كلثوم"، لأنهم حاصلين على نفس الوسام، وقالوا: "إزاي ريفية جت للقاهرة وهي على ضهر حمار، يبقى عندها "وسام الكمال" وتكون صاحبة عصمة زينا؟".
ورغم كل اللي حصل، فضلت علاقة "أم كلثوم" والملك فاروق قوية جدًا لحد سقوطه وقت ثورة يوليو.
أول عروسة تزفها أم كلثوم بالإكراه
الملكة نازلي، زوجة الملك فؤاد، كانت بتتحكم في أمور مصر كلها بعد وفاته، وفي يوم طلبت من "أم كلثوم" طلب غريب جدًا، وهو إنها تزف الأميرة فوزية لزوجها محمد رضا بهلوي، شاه إيران. "الست" رفضت طلب "نازلي" وقالتلها أنا مطربة بغني بس، مش عالمة لزف العرسان! لكن بعد إلحاح كبير وإحراج، وافقت "أم كلثوم" بالإكراه، وكانت أول وآخر عروسة تزفها أم كلثوم في حياتها كلها.
حكاية "أم كلثوم" مع الملكة نازلي مانتهتش لحد هنا، لأن شريف باشا صبري أخو "نازلي"، كانت بتجمعه قصة حب مع "أم كلثوم" وقرر إنه يتجوزها، بس العيلة المالكة وقفت في طريقهم، فعرض عليها "شريف" الجواز العرفي، بس "أم كلثوم" رفضت المبدأ.
القصر الملكي وقف في طريق "أم كلثوم" وأجبرها على حاجات كتير، زي قصة الحب اللي جمعتها مع الموسيقار محمود الشريف، اللي انتهت بالجواز، ولكن "الشريف" لما عرف رفض القصر الملكي لجوازهم طلب منها إنهم يلغوا الجواز.
"غلبت أصالح في روحي": إهداء "الست" للضباط الأحرار
قبل ثورتهم بـ 4 سنين، وتحديدًا سنة 1948، بدأت علاقة "أم كلثوم" بظباط الجيش الأحرار أثناء حصار "الفالوجة"، وقتها الظباط طلبوا من القيادة في مصر، إن الإذاعة تذيع في حفلة أم كلثوم أغنية "غلبت أصالح في روحي"، وفعلًا "الست" نفذت الطلب وغنتها وأهدتها لهم، وكمان أهدتهم أغنية "أنا في انتظارك".
وبعد فك حصار "الفالوجة"، ورجوع ضباط الجيش الأحرار، استقبلتهم "الست" في بيتها باعتبارها نقيبة الموسيقيين، ووقتها كان قائد المجموعة سيد محمود طه، وجمال عبد الناصر كان من ضمن الكتيبة.
منع أغاني "أم كلثوم" من الإذاعة المصرية
بعد ثورة يوليو 1952، وبعد كمان ما الضباط الأحرار استولوا على الحكم، قرروا إنهم هيقوموا بتنقية الجمهورية من كل حاجة كانت ليها علاقة بالنظام الملكي، وبالفعل "أم كلثوم" سابت منصبها كنقيبة للموسيقيين، ومنعوا أغانيها من الإذاعة باعتبارها من رموز النظام الملكي.
الارتباط الوثيق بين اسم "أم كلثوم" وجمال عبد الناصر
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان دايمًا واقف في ضهر "أم كلثوم"، لأنه كان بيعتبرها أقوى سلاح لتأييد الثورة. وبعد قرار الضباط الأحرار بمنع أغاني "الست" من الإذاعة، رفض "عبد الناصر" كل القرارات اللي وقفت في طريقها. ومن الوقت ده، واسم "أم كلثوم" ارتبط ارتباط وثيق بـ جمال عبد الناصر.
"أم كلثوم" غنت لـ "عبد الناصر" أغاني كتير، زي "يا جمال يا مثال الوطنية"، و"قم"، ده غير إنها كانت أول مطربة تغني له بعد النكسة سنة 1967، أغنية "حبيب الشعب".
صداقة "الست" ماكنتش مقتصرة بس على "عبد الناصر"، دي كانت صديقة لكل العيلة، وبالأخص زوجته تحية كاظم. ويوم 28 سبتمبر سنة 1970، توفى "عبد الناصر" وانهارت "أم كلثوم" ومن شدة حزنها عليه، قررت إنها مش هتغني تاني، لحد ما اتصلت بيها تحية كاظم واقنعتها بالرجوع.
غروب "شمس" أم كلثوم في عهد السادات
بعد وفاة "عبد الناصر" حسّت "أم كلثوم" باليُتم، بحسب تعبير الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل. وفي عهد السادات، بدأ صوت "الست" يضعف وبدأت شمسها تغيب، خصوصًا لما الموسيقار محمد الموجي، قدملها لحن مش مناسب مع إمكانياتها في الوقت ده، في أغنية "اسأل روحك". "الموجي" حكى في لقاء تليفزيوني، إن الشيخوخة سيطرت على صوت أم كلثوم، وواجهت صعوبة كبيرة في أداء الجُمل، وقال عنها في اللقاء "كملت آخر كوبليه في الأغنية بالعافية".
الصراع على لقب "السيدة الأولى"
سنة 1970 بعد ما أصبح الرئيس الراحل "أنور السادات" رئيس لمصر، زوجته جيهان السادات كانت حريصة إنها تنفرد بلقب سيدة مصر الأولى، لأن في الوقت ده اللقب كان من نصيب "أم كلثوم". الانفراد باللقب عمل صراعات كتير بين "أم كلثوم" و"جيهان"، حسب شهادة عدد من الصحفيين المقربين منهم، وسمير صبري، اللي أكد إن في فترة حكم "السادات"، أغاني "أم كلثوم" اتمنعت إنها تتذاع في برنامجه "النادي الدولي" المٌذاع على التليفزيون المصري، بناءً على تعليمات عليا، زي ما إدارة التليفزيون بلغوه.
الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، حكى في لقاء مع تليفزيون لبنان، إنه هو وزوجته و"أم كلثوم" والرئيس السادات و"جيهان"، كانوا في ضيافة سيد مرعي، نائب رئيس مجلس الوزارء، ووقتها حصل موقف أدى لـ غضب جيهان السادات، وهو لما "السادات" دخل لـ بيت "مرعي"، كان لابس بليزر أسود وقميص أبيض، فـ "أم كلثوم" بصت له وقالت له وهي بتهزر معاه: "إيه ده يا ريس، أنت عامل أبيض وأسود زي الشجر في الضلمة".
"السادات" ضحك، لكن "جيهان" اتعصبت وخرجت من المكان اللي كانوا قاعدين فيه، وندهت على "هيكل" وزوجته، وزوجة "مرعي" وقالت "جيهان" لـ "هيكل": "يرضيك كده اللي قالته أم كلثوم؟" فرد "هيكل" وقالها: "دي بتقول نكتة!".
عندما يتحول الحب إلى عداوة
"أم كلثوم" عاشت معظم حياتها في معارك سياسية وفنية، زي معركتها مع الموسيقار زكريا أحمد، وعلاقتهم اللي اتحولت من حب شديد لـ عداوة، وده لأسباب مالية وحقوق أدبية لـ زكريا أحمد، أنكرتها "أم كلثوم" في البداية، لدرجة إن صراعهم وصل لـ ساحات المحاكم. قاضي المحكمة، ماكنش قادر يبص في الدعوى، وقالهم أنتم قدوة للجيل ده، فإزاي هنطق بالحكم على أي واحد منكم؟. القاضي طلب منهم إنهم يوقفوا الدعاوى اللي بتُسيء ليهم قبل أي حد تاني، و"زكريا" قرر يستجيب لطلب القاضي وسحب الدعوى، وبعد 13 سنة من الخصام، خرجوا من المحكمة وهما متصالحين.
"أنت عمري": السبب في الصُلح بين "أم كلثوم" و"عبد الوهاب"
في بداية التلاتينيات وحتى أواخر الأربعينات، الصحف المصرية لقبت "أم كلثوم" و"عبد الوهاب" بالعدوين. المعركة بدأت بعد ما رفضت "أم كلثوم" تغني أغنية من ألحان "عبد الوهاب". وبعدها بدأت المنافسة بينهم تزيد، هو يغني وهي تغني، هو يعمل حفلة كل أسبوع، وهي تعمل حفلة كل أسبوع.
محاولات الصُلح بين "عبد الوهاب" و"أم كلثوم" كانت كتير، لحد ما اتدخل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وطلب منهم يعملوا عمل فني مشترك، علشان يتفاجئ بموافقتهم هما الاتنين، وفي الفترة دي "عبد الوهاب" كان بيلحن أغنية "أنت عمري" وسمعها لـ "أم كلثوم" وعجبتها جدًا، وبالفعل في أول خميس من شهر فبراير سنة 1964، غنت "أم كلثوم" الأغنية في حفلة، والجمهور تفاعل معاها جدًا.
الغناء حتى آخر نفس
الصحفي والأديب الراحل كمال الملاخ، نشر خبر في الصفحة الأخيرة في جريدة الأهرام في نهاية شهر أبريل سنة 1970. الخبر كان بيقول إن حفلة أم كلثوم الجاية احتمال تكون الأخيرة، يعني ممكن تعتزل الغناء. "الست" لما قرأت الخبر حسَت بالغضب وقالت: "بالعند فيهم هغني". بالفعل ظهرت في حفلة يوم 7 مايو سنة 1970، وقدمت خلال الحفلة أغنية "أقبل الليل" و"دارت الأيام".
سنة 1970 كانت سنة الحزن بالنسبة لـ "أم كلثوم"، صوتها بدأ في التراجع، ده غير إنها كمان بدأت تفقد نفوذها السياسي والمرض بدأ يهاجم جسمها. لأن خلال السنة، توفى قائد فرقتها عازف القانون محمد عبده صالح، بالإضافة لـ رحيل صديقها الداعم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ومع بدايات سنة 1971، المرض بدأ يبقى أشرس ويهاجم جسم "الست" أكتر، لحد ما توفت في 3 فبراير سنة 1975.
الحزن والمرض والألم، ماقدروش يوقفوا صوت "أم كلثوم" عن الغُنا، على مدار سنين صوتها قدر يكون رمز للإصرار والعزيمة، صوتها لسة بيرن في قلوب الملايين من الناس في مصر وبرة. "الست" رحلت بجسمها، لكن صوتها وفنها وحكايتها هيفضلوا معانا طول العمر.
- الموضوع اللي فات الجمارك أطلقت أبليكيشن "تليفوني" لتسجيل الهواتف القادمة من الخارج
- الموضوع اللي جاي مصر الـ 20 عالميًا والتانية عربيًا بمؤشر جهود مكافحة تغير المناخ
الأكثر متابعة هذا الشهر
-
20 ديسمبر 2024